الرؤى والمنامات ، وضابط الاستفادة منها
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أمَّا بعدُ :
فمن وسائل استمداد التطبب والشفاء : الرؤى المنامية .
فقد يرى المبتلى في منامه : أنَّ دواءه كذا وكذا .
وشرط قبولها : أنْ لا تخالف أمورَ الشريعة إذا كان المرض من باب السحر،أو العين ، أو المس .
وإنْ كان المـرض من الطبيعيات،فكذلك لا بدَّ من موافقة الدواء للأدلة الشرعيَّة المبيحةِ لنوع هذا الدواء !! .
ثمَّ إنَّ الرُّؤى والمنامات:لا تُجْعَل قاعدةً في التداوي،لما للشيطان في ذلك من التلاعب بكثير من الناس .فكم من إنسانٍ وقع في البدع،والخرافة،والشرك،والبلاء،وسبـب ذلك:رؤيا رآها هو،أو غيره له !!.والشريعة جاءت بدرء المفاسد وتقليلها،وجلب المصالح وتكثيرها.
ومن القواعد المؤصلة عند أهل السنة والجماعة:قاعدة سد الذرائع،وهي مقررة لمنع كلِّ وسيلة،أو سبب يؤدي إلى مخالفة الشريعة،أو إدخال المحدثات والبدع في دين الإسلام .
ثمَّ إنَّ الرؤيا الصالحة في الغالب تكون مفيدة لصاحبها،وليس متعدية إلى غيره .
وإذا عُلم ما تقدم تقريره : فاعلمْ أنَّ الرؤيا لها حقيقة،وفائدة،بشرط: أن تكون صادقة .
والمراد بصدقها:وجودها في الواقع .وهي على قسمين :
1-أنها كما تكون في المنام تكون في اليقظة،ولا تحتاج إلى تعبير،أو تُعَبَّرُ في المنام.
2-هي التي تحتـاج إلى تعبير وتأويل .
وشرط العمل بمقتضاها كما تقدم ذكره : أن لا تخالف حكماً شرعياً،أو قاعدة مسلَّمة الثبوت .
فالرؤيا من باب الاستئناس لا الاستدلال .
والفائدة من الرؤيا :البشارة ،والنذارة .
وعلمُ عبارة الرؤيا:علم صحيحٌ يهبه الله لمن يشاء من عباده .
قال الإمام ابن عبد البر-رحمه الله-في التمهيد(1/285) :
(وجملة القول في هذا الباب:أن الرؤيا الصادقة من الله،وأنها من النبوة،وأن التصديق بها حق،وفيها من بديع حكمة الله ولطفه ما يزيد المؤمن في إيمانه.ولا أعلم بين أهل الدين والحق،من أهل الرأي والأثر خلافاً فيما وصفت لك،ولا ينكر الرؤيا إلا أهل الإلحاد وشرذمة من المعتزلة ) .
وقال العلاّمَةُ عبد الرحمن بن ناصر السعدي-رحمه الله-في تفسير القرآن(2/442) لمَّا ذكر فوائد قصة يوسف-عليه السلام-:
(ومنها:أنَّ فيها أصلاً لتعبير الرؤيا،فإنَّ علم التعبير من العلوم المهمة التي يُعطيه الله من يشاء من عباده ).
وقال أيضاً(2/449) : ( ومنها: أنَّ علم التعبير من العلوم الشرعية،وأنَّه يُثاب الإنسان على تعلُّمه وتعلِيمه،وأنَّ تعبير المرائي داخل في الفتوى،لقوله للفتيين:
( قُضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) وقال الملك:( أفتوني في رؤياي ) وقال الفتى ليوسف:( أفتنا في سبع بقرات) الآيات،فلا يجوز الإقـدام على تعبير الرؤيا من غير علم ) .
وفي كتاب الجامع(ص260-261)لأبي زيد القيرواني-رحمه الله-،والتمهيد،لابن عبد البر(1/288)عن الإمـام مالك-رحمه الله-حـين سئل أيفسر الرؤيا كـل أحد ؟قال: (أبِالنبوة يلعب!،ثم قال: لا يعبر الرؤيا إلاّ من يحسنها.فإنْ رأى خيراً أخبر به،وإنْ رأى مكروهاً،فليقل خيراً أو ليصمت ) .
والرؤيا الواحدة عند أهل التعبير:لها تأويلات متعددة،وهذا التعدد في التأويل:هو لسبب:أنَّ المنامات والرؤى تختلف باختلاف الزمان،والمكان،والأشخاص،واللغات،والصنائع،وعادات الناس،والمعايش،والأمراض،والموت والحياة،والفصول ...
قال الإمام البغوي-رحمه الله-في شرح السنة:
(وقد يتغير التأويل عن أصله باختلاف حال الرائي.كالغل في النوم مكروه،وهو في حق الرجل الصالح قبض اليد عن الشر.وكان ابن سيرين يقول في الرجل يخطب على المنبر:يصيب سلطاناً،فإن لم يكن من أهله:يُصلب.وسأل رجل ابن سيرين،قال:رأيتُ في المنام كأني أؤذن،قال:تحج.وسأله آخر،فأول بقطع يده في السرقة،فقيل له في التأويلين،فقال:رأيت الأول على سيماء حسنة،فأولت قوله سبحانه وتعالى: (وأذن في الناس بالحج )ولم أرض هيـئة الثاني،فـأولتُ قـوله عزَّ وجلَّ : ( ثمَّ أذَّن مؤذنٌ أيتها العِيرُ إنَّكم لسارقون ) .
وقال القرافي-رحمه الله- في الذخيرة(13/274):
(ولذلك يقع التقييد بأحوال الرائي،فالصاعد على المنبر بلا ولاية إن كان فقيهاً فقاض،أو أميراً فوال،أو من بيت الملك فملك.إلى غير ذلك،ولذلك ينصرف للخير بقرينة الرائي وحاله؛وظاهرها الشر.
وينصرف للشر بقرينة الرائي؛وظاهرها الخير.كمن رأى أنَّه مات،فالخـيِّرُ:ماتت حظوظه،وصلحت نفسه،والشرِّيرُ:مات قلبه،لقوله تعالى: (أوَمَن كان مَيْتاً فأحييناه) أي كافراً فأسلم ) .
أقول:
لابد عند تأويل الرؤيا من النظر إلى حال الرائي،وذلك لأن منهم من لا تصـح له الرؤيا،ثم لو صحت فقد لا يصح إلقاء الأمور العظيمة عليه كمن يرى الصعود على المنبر في المنام،وهو غير مرشح لأمر عظيم،لا تُؤوّل له بِمُلْكٍ مثلاً،وإنما تؤوّل له بما يناسب حاله .
وكذلك ما يُذكر في تأويل رؤيا لا يصلح أن يكون قاعدة عامة يندرج فيها جميع الرؤى والمنامات،لأنَّه كما تقـدم:أنَّ تعبير الرؤى والمنامات،يَختلف من شخص إلى آخر للأسباب المذكورة سابقاً .
والله تعالى أعلم .
تعليقات
إرسال تعليق